كوع الكحّالة: ما تبقى من “شاحنة” الدولة..

مدة القراءة 4 د


بدايةً لا بدّ من تأكيد ثلاثة أمور:
1- أنّ الجيش اللبناني سيعيد الصناديق التي ضُبطت في شاحنة الكحّالة إلى الحزب من دون أيّ نقصان أو محضر مسجّل.
2- أنّ الحزب سيواصل نقل السلاح عبر طريق بيروت – دمشق الدولية في الأيام والساعات المقبلة، وعبر غيرها من الطرقات وفقاً لاحتياجاته اللوجستية والأمنيّة. وجُلّ ما يمكن أن يطرأ من تعديل أنّه سيزيد العناية باختيار نوع الشاحنات وكفاءة من سيقود تلك الشاحنات.
3- أنّ القضاء اللبناني، وتحديداً القضاء العسكري، لن يتحرّك تجاه ما حصل في الكحّالة، وإن تحرّك فسيكون تحرّكاً صوريّاً لا يُقدّم ولا يؤخّر، وسيتّخذ قراراً واحداً يقضي باحتساب من سقط قتيلاً أو جريحاً ضحيّةً من ضحايا الفداء والتضحية من أجل الوطن.

لماذا تستغربون؟
ليس مستغرباً أن ينقل الحزب السلاح عبر الشاحنات الكبيرة والصغيرة والمتوسّطة على كلّ طرقات لبنان الدولية وغير الدولية. والشاحنة التي تعرّضت لحادثة عند كوع الكحّالة بعد ظهر يوم الأربعاء الفائت ليست الأولى، ومن المؤكّد أنّها لن تكون الأخيرة.
المستغرَب هو حجم المفاجأة التي عبّر عنها السياسيون من نواب ورؤساء أحزاب وشخصيّات مستقلّة، ومعهم فئة كبيرة من اللبنانيين، من جرّاء حادثة الشاحنة، واكتشافهم أنّها محمّلة بذخائر للحزب. تعامل كلّ هؤلاء مع الحادثة وكأنّهم اكتشفوا أمراً غريباً من خارج كلّ السياقات المعروفة ونجحوا في فضح سرّ عظيم يحاول الحزب التستّر عليه وإخفاءه. الأمين العامّ للحزب والكثير من قياداته أكّدوا في مناسبات عديدة امتلاكهم السلاح والصواريخ الدقيقة وغير الدقيقة والمسيّرات. لا بل شدّد نصر الله في إحدى إطلالاته على أنّ من تسوّل له نفسه من اللبنانيين وغير اللبنانيين المساس بسلاح الحزب ستُقطع يده.

ليس مستغرباً أن ينقل الحزب السلاح عبر الشاحنات الكبيرة والصغيرة والمتوسّطة على كلّ طرقات لبنان الدولية وغير الدولية

الحزب وأمينه العامّ لم يكذبا علينا، بل نحن اللبنانيين جميعاً، سياديين ومستقلّين ومعارضين ووطنيّين، من شتّى أصنافنا المعارِضة، كذّبنا على أنفسنا في كثير من المحطّات والاستحقاقات. كذّبنا على أنفسنا عندما ارتضينا بقانون للانتخابات النيابية يكرّس هيمنة الحزب على الشيعة وتسلّله إلى باقي الطوائف والمذاهب. كذّبنا على أنفسنا عندما ارتضينا دخول حكومات توافقية يمتلك فيها الحزب الثلث المعطِّل وأكثر. كذّبنا على أنفسنا عندما رفضنا العمل على تحقيق استقلالنا الثالث متمسّكين بمنصب هنا ومنصب هناك وبزيادة كتلنا النيابية مقعدين أو ثلاثة.
ما حصل في الكحّالة لا يستدعي منّا المفاجأة والصدمة، بل يستوجب منّا طرح ثلاثة أسئلة:
1- لماذا هذه الصناديق بما تحمله متوجّهة إلى بيروت وضاحيتها؟ فإن كانت الوجهة هي الجنوب كان من الأسهل على الحزب أن ينقلها عبر البقاع الغربي وصولاً إلى قرى الجنوب؟
2- الصناديق التي ضُبطت صغيرة الحجم، وكان جليّاً أنّ الجيش لم يكن يقلق أمنيّاً وهو يقوم بنقلها من شاحنة إلى أخرى، وبالتالي ليست صناديق للصواريخ أو لأسلحة متفجّرة. فهي إمّا ذخائر لسلاح خفيف لزوم الشوارع الضيّقة، أو قطع غيار أو مكوّنات لمسيّرات صغيرة طائرة. وهنا السؤال: لماذا تُستقدَم إلى بيروت ذخائر كهذه لا علاقة لها بالمواجهة مع إسرائيل؟
3- هل حادث الشاحنة قضاء وقدر أم عمل مدبّر له مآرب سياسية تبدأ من معركة رئاسة الجمهورية ولا تنتهي عندها؟

إقرأ أيضاً: كوع الكحّالة يُحرج “التيّار” ويُغرق عون؟

أكثر من انقلاب شاحنة
على كوع الكحّالة لم تنقلب شاحنة الحزب وحدها، بل هناك الكثير من المؤسّسات والأشخاص انقلبوا مع الشاحنة. هناك انقلبت حكومة تصريف الأعمال ورئيسها والبيان العاجز الذي صدر عنه، وهناك انقلبت مؤسّسة الجيش اللبناني وقيادتها التي أكّدت عبر سلوكها مع الحادثة أنّها من ضمن هذه المنظومة أو على الأقلّ منضبطة بتوجيهات هذه المنظومة. عند كوع الكحّالة انقلب أيضاً كلّ نواب المعارضة والتغييريين عبر تصريحات جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع، بدءاً بتصريح لأحدهم أصرّ فيه على معرفة نوعيّة البضاعة المحمّلة بصناديق الشاحنة وكأنّه مراقب جمركي، وصولاً إلى تصريح آخر دعا مفوّض الحكومة العسكرية إلى الصعود إلى مكان الحادثة وكأنّنا نعيش في إحدى المدن السويسرية. الفرق بين شاحنة الحزب وكلّ هؤلاء أنّ الشاحنة رُفعت هي وبضاعتها وعادت سالمة إلى المكان الذي كانت تقصده، وأمّا البقيّة فما يزالون عند كوع الكحّالة ولن يجدوا من يرفعهم بعد سقوطهم.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: ziaditani23@

مواضيع ذات صلة

أمور خطيرة ليست للرّؤية ولا للكتابة؟

 هل هناك عصر إسرائيلي مقبل؟ لا يبدو ذلك صحيحاً على الرغم من تأكيدات نتنياهو. فالقضية الفلسطينية هي همٌّ عالمي وليست همّاً عربيّاً وحسب. أمّا الميليشيات…

الغرب والعرب: لرئيس يقود الثّلاثيّ لانتزاع وقف الحرب

يتصرّف العديد من عواصم القرار، في مقدَّمها واشنطن، على أنّ وقف النار في لبنان لم يحن وقته بعد. المداولات التي جرت في الأسابيع الماضية عزّزت…

نهاية يحيى: إنسانٌ “غيبيّ”… هَزَمَهُ العلم

لطالما كانت النهايات اختصاراً مكثّفاً للبدايات والخيارات التي يتّخذها كلّ واحدٍ منّا، خصوصاً نهايات الأشخاص الاستثنائيين. أولئك الذين يسرقون الأضواء، أو تسرقهم. كأن “ينتهي” مايكل…

كيف تعطّل الانتخابات الأميركيّة وقف إطلاق النّار في لبنان؟

لم يصدر عن واشنطن أو أيّ عاصمة غربية أيّ مواقف “جدّية” بإمكانها أن تشكّل عائقاً أمام  إسرائيل، بقيادة بنيامين نتنياهو، لوقف حربها في قطاع غزّة…