تل أبيب 2030.. تقسيم إسرائيل

مدة القراءة 7 د

يقول البعض إنّها مؤامرة صهيونية على إسرائيل، ويقول آخرون إنّها مؤامرة دينية. وما بين الذين يريدون دولة علمانية والذين يريدونها دولة التوراة، تدور أخطر معركة تواجهها إسرائيل منذ عام 1948.

ثمانون عاماً

في عام 2017 احتفلت إسرائيل بمرور 100 عام على وعد بلفور، وقال بنيامين نتانياهو: “سأعمل بكلّ قوة كي تبلغ إسرائيل عيد ميلادها رقم 100.. لقد علّمنا التاريخ أنّه لم تقُم دولة للشعب اليهودي أكثر من 80 عاماً”. المقولة نفسها كرّرها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك: “على مرّ التاريخ لم تصمد دولة لليهود أكثر من 80 عاماً”.
تاريخياً أقام اليهود دولتين صغيرتين. كان ذلك قبل ميلاد المسيح، ولم تكمل أيٌّ منهما 80 عاماً. وهو ما بات يُعرف في بعض الأدبيّات بـ”لعنة الثمانين”.

الخطّان الأزرقان واللون الأبيض

لسنوات طويلة روّج البعض في العالم العربي لأسطورة “إسرائيل الكبرى”، وسادت قناعة لدى الكثيرين أنّ “الخطّين الأزرقين” في علَم إسرائيل يمثّلان الحدود النهائية من النيل إلى الفرات، حتى إنّ البعض كان يقول إنّ سفارة إسرائيل في القاهرة اتّخذت من شارع النيل في الجيزة مقرّاً لها، حتى تكون في محافظة الجيزة لا القاهرة، وبعد النيل لا قبله، وذلك تأسيساً على أسطورة النيل والفرات.
قبل سنوات انتقلت سفارة إسرائيل من الجيزة إلى القاهرة، وغادرت موقعها في شارع النيل إلى حيّ المعادي، ولم يجد أنصار تلك النظرية ما يقولونه إزاء ذلك الانتقال.

يقول البعض إنّها مؤامرة صهيونية على إسرائيل، ويقول آخرون إنّها مؤامرة دينية. وما بين الذين يريدون دولة علمانية والذين يريدونها دولة التوراة، تدور أخطر معركة تواجهها إسرائيل منذ عام 1948

تراجعت اليوم أعداد العرب الذين يروّجون لهذه الأسطورة، وفي خريف عام 2020 قالت وزارة الخارجية الإسرائيلية على صفحتها “إسرائيل بالعربية” إنّ اللون الأبيض في علَم إسرائيل يمثّل الجانب الروحي، وهو رمز النقاء، وهو عكس ما يقال عن خلوّ العالم من البشر ليكون خاصّاً بصفوة اليهود، فالديانة اليهودية تدعو إلى المحبّة، وقد جاء في الكتاب المقدّس: “أحبّ لأخيك ما تحبّ لنفسك”. أمّا بشأن الخطّين الأزرقين، فقالت الخارجية الإسرائيلية إنّهما مأخوذان من وشاح الصلاة اليهودي “التاليت”، وقد أمر الله بني إسرائيل في التوراة بارتداء عصابة من الأزرق الفاتح. وغير صحيح أنّ الخطّين الأزرقين يمثّلان “إسرائيل الكبرى”.

تقسيم إسرائيل

كان جانب من النقاش يدور منذ حرب 1967 حتى السنوات الأخيرة حول ما يُسمّى “إسرائيل الكبرى”، لكنّ النقاش الدائر في “عصر نتانياهو” أصبح بشأن احتمالات تقسيم الدولة أو تفكّك إسرائيل.
أدّت سياسات نتانياهو إلى صعود الصهيونية الدينية وتراجع الصهيونية العلمانية، وهو ما يراه العلمانيون الإسرائيليون بداية العدّ التنازلي، وتأسيساً للانهيار.
يريد أنصار الصهيونية التقليدية دولة علمانية على غرار أوروبا، ويريد أنصار الأصولية الدينية دولة توراتيّة على غرار مملكة داوود. ترى الأصولية أنّ الصهيونية تعمل ضدّ الدين، وترى الصهيونية أنّ الأصولية تعمل ضدّ الدولة، وما بين أنصار الدين وأنصار الدولة يدور الصراع الأيديولوجي الكبير، الذي شطر الفكر الإسرائيلي إلي نصفين، كلاهما يعمل ضدّ الآخر.
قادت سياسات نتانياهو، الذي عاد بحكومة هي الأكثر تطرّفاً في تاريخ إسرائيل، إلى تهديد إسرائيل والمنطقة. فاقتحام المسجد الأقصى، واعتقال المعتكفين، وقتل الأبرياء قادت إلى إطلاق صواريخ من فلسطين ولبنان وسوريا. ثمّ انطلقت المشاعر الغاضبة في العالمين العربي والإسلامي، وهو شعور تجاوز مناطق الجوار إلى ساحل الأطلسي، حيث هتف عشرات الآلاف من مشجّعي نادي الوداد المغربي ضدّ الاحتلال الإسرائيلي قائلين: القدس لفلسطين.
لم يحقّق نتانياهو من إشعال الوضع سوى المزيد من البقاء في السلطة، لكنّ عدم الإيمان بإسرائيل زادت وتيرته أكثر من أيّ وقت مضى، حتى إنّ الحديث بشأن احتمالات بقاء إسرائيل أصبح معتاداً في وسائل الإعلام الإسرائيلية.

نتانياهو لم يهنّئ بشهر رمضان

في سنوات سابقة كان نتانياهو يصوّر كلمة تهنئة للمسلمين بحلول شهر رمضان، وهي الكلمة التي لطالما كانت موضع تندّر وسخرية. فالرجل الذي يسعى إلى الاستيلاء على المسجد الأقصى وابتلاع فلسطين، يهنّئ المسلمين بأعيادهم!

في عام 2008 انعقدت في إسرائيل اجتماعات تحمل عنوان “الاستراتيجية الاقتصادية الاجتماعية في عصر العولمة”، وتمّ وضع هدف أن تكون إسرائيل بعد 20 عاماً من بين الـ15 دولة الرائدة عالمياً حسب معايير الناتج الفردي

في شهر رمضان 2023 لم يقُم نتانياهو بالتهنئة، لكنّه راح يُشعل الأماكن المقدّسة أكثر من أيّ وقت مضى. وعلى الرغم من وجود فتاوى يهودية سابقة تحجّم العبادة تحاصر المتعبّدين وتقلّص القدرة على ممارسة المسلمين شعائرهم في الحرم القدسي، فإنّ المدّ الديني الذي يقوده نتانياهو أدّى إلى صدور فتاوى جديدة تشجّع على اقتحام المسجد، وضرب المصلّين، واقتلاع الشيوخ والأطفال من صلاتهم والدفع بهم خارجاً.

الإمساك بالسيف

قبل عقود قال موشيه دايان: “نحن نعيش على السيف”، وقبل أيام قال نتانياهو: “أيّ خلاف داخلي بين أبناء الشعب عندنا لن يمنعنا من الإمساك بالسيف”.
في عيد الفصح في نيسان 2023 واصل نتانياهو القول: “سنجلس غداً لنقرأ: جيلاً بعد جيل هناك الذين يلتمسون القضاء علينا”.
لم يقُل العرب إنّهم يريدون القضاء على إسرائيل، وتقوم المبادرة العربية التي طرحتها السعودية، وتتبنّاها جميع الدول العربية، على إقامة دولتين على حدود 1967. ولكنّ نتانياهو يختلق تهديدات وهمية، من أجل تبرير سياسات وحشية.
يقول ياكوف شاريت نجل موشيه شاريت، أوّل وزير خارجية وثاني رئيس وزراء لإسرائيل: “نحن نحاول جعل إسرائيل نوعاً من القلعة، لكن لا يمكننا أن نعيش بالسيف إلى الأبد”، ثمّ يواصل كلامه غاضباً، في حديث إلى موقع “ميدل إيست آي” البريطاني: الآلاف يغادرون إسرائيل، ومعظم الإسرائيليين يحملون جوازات سفر أخرى.
من جهته، يصرخ جدعون ليفي قائلاً: “نواجه عملية تدمير ذاتي مروّعة، لا سبيل إلى الحلّ بالقبب الحديدية ولا بالأسوار ولا القنابل النووية”، فيما يلفت وزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان إلى أنّ “نتانياهو يقسّم الإسرائيليين إلى شعبين، أو عدّة شعوب”.
أمّا رئيس الكنيست السابق أبراهام بورج فيقول إنّ “إسرائيل على أبواب نهاية الحلم الصهيوني، وتتّجه إلى الخراب.. بالنسبة لي فقد امتلكت جواز سفر فرنسياً”.

إسرائيل 2028

في عام 2008 انعقدت في إسرائيل اجتماعات تحمل عنوان “الاستراتيجية الاقتصادية الاجتماعية في عصر العولمة”، وتمّ وضع هدف أن تكون إسرائيل بعد 20 عاماً من بين الـ15 دولة الرائدة عالمياً حسب معايير الناتج الفردي.

إقرأ أيضاً: هل يشعل الأقصى حرباً شاملة في المنطقة؟

تقترب إسرائيل نحو عام 2028 بينما يحلّ الحديث عن لعنة الـ80 محلّ الحديث عن الدول الـ15. حسب زعيم المعارضة يائير لابيد فإنّ حكومة نتانياهو قادت إسرائيل إلى دمار غير مسبوق، ودفعت الأوضاع إلى أكبر أزمة وطنية في تاريخ إسرائيل.
يحدث ذلك فيما يعلن نتانياهو تأسيس “الحرس الوطني” بميزانية تصل إلى ربع مليار دولار سنوياً، ثمّ يوكل ذلك إلى وزير الأمن إيتمار بن غفير في ما يشبه تأسيس ميليشيا رسمية للمرّة الأولى. وهو ما دعا لابيد إلى القول إنّ بن غفير ليس سوى مهرّج “تيك توك” لم يخدم في الجيش دقيقة واحدة!
يقول نتانياهو: “هناك حدود للمعجزة التي يمكن للتاريخ صنعها، وقد حصل الشعب اليهودي على جرعة زائدة من المعجزات. ليس لدينا خيار سوى الوقوف موحّدين”. لكنّ الأمور لا تبدو كذلك، إذْ يرى غالبية الإسرائيليين أنّ الانقسام بات حتميّاً، وأنّ عصر المعجزات قد انتهى.

* كاتب وسياسيّ مصريّ. رئيس مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجيّة. عمل مستشاراً للدكتور أحمد زويل الحائز جائزة نوبل في العلوم، ثمّ مستشاراً للرئيس المصري السابق عدلي منصور.

له العديد من المؤلَّفات البارزة في الفكر السياسي، من بينها: الحداثة والسياسة، الجهاد ضدّ الجهاد، معالم بلا طريق، أمّة في خطر، الهندسة السياسية.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: Almoslemani@

 

مواضيع ذات صلة

عودة “روكي”: جنون أميركا في ظلّ ترامب

كان هناك وقتٌ، في الزمان غير البعيد، حيث الانتخابات الأميركية كانت تُحكم بالمبادئ: كانت هناك برامج انتخابية، قيم، واحترام للمنصب. ثمّ جاءت سنة 2024، وقرّرت…

قوافل النّازحين… وفكرة “السّلام” المُلتبس

منذ 17 أيلول الماضي يوم شرعت إسرائيل في حربها ضدّ الحزب عبر تفجير أجهزة البيجرز والتوكي ووكي، بدأ النزوح الداخلي من جنوب لبنان وضاحية بيروت…

الكويت: تأكيد الهوية الوطنية لأهلها فقط..

على الرغم من الضجيج في المنطقة وأصداء أصوات الانتخابات الأميركية وما سبقها وتلاها، لا صوت يعلو في الكويت على صوت “تعديل التركيبة السكاّنية”، من خلال…

السّودان: إيران وروسيا تريدان قواعد عسكريّة

يغطّي غبار القصف الإسرائيلي على غزة ولبنان صور المأساة المروّعة التي تعصف بالسودان، أكبر دولة عربية من حيث المساحة. فقد اضطرّ حتى الآن خُمس السكان،…