لم يكن مُتوقّعاً أن تتحوّل الأزمة السياسية التي تعيشها الكويت إلى معركة “كسر عظم” بين السلطات، ولم يكن مُرجّحاً أن يخرج إلى العلن ما كان يُقال همساً أو وراء الأبواب المغلقة، لكنّ هذا ما حدث فعلاً.
انفجار المعارضة.. والشعار واحد
بعد حكم المحكمة الدستورية في 19 آذار الماضي الذي قضى بإبطال مجلس الأمّة المُنتخَب في 2022 وإعادة المجلس السابق المُنتخَب في 2020، تلقّت المعارضة ضربة مؤلمة فتناثرت مواقفها وردودها وانقسمت إلى فئات متنوّعة، لكلّ منها سقف، لكن يجمعها موقف واحد هو عدم الاعتراف بشرعية المجلس العائد. (راجع مقال “أساس” المنشور في 1 نيسان الحالي بعنوان “الكويت… استفحال الأزمة يُعيد نغمة الإمارة الدستوريّة).
المشهد المقابل: النواب العائدون على جناح حكم المحكمة الدستورية ويشكّلون تقريباً نصف “مجلس 2020″، تعاملوا مع الحكم بواقعية، فأعلنوا تأييدهم لإجراء انتخابات جديدة (كما يريد خصومهم)، لكنّهم طلبوا أن يسبق ذلك إجراءات لتحصين الانتخابات المقبلة، وفي مقدّمها إقرار قانون المفوضية العليا للانتخابات.
هجمة مرتدّة على الحكومة.. “انفجار” أم “انتصار”؟
ما بين هؤلاء وأولئك، لم يكن موقف الحكومة واضحاً، حتى حدث ما حدث في يوم الأربعاء الماضي، الذي ذهبت صحف كويتية إلى حدّ وصف ما جرى فيه بـ”الانفجار الرهيب”، فيما وصفته صحف أخرى بـ”يوم الانتصار للكويت”.
فماذا جرى في ذلك اليوم؟
لم يكن مُتوقّعاً أن تتحوّل الأزمة السياسية التي تعيشها الكويت إلى معركة “كسر عظم” بين السلطات، ولم يكن مُرجّحاً أن يخرج إلى العلن ما كان يُقال همساً أو وراء الأبواب المغلقة، لكنّ هذا ما حدث فعلاً
بعدما كان الفضاء السياسي متروكاً لأصحاب الأصوات المرتفعة، يمكن القول إنّ ما جرى كان أشبه بـ”هجمة مرتدّة” على الحكومة ومؤيّديها (من المعارضة)، نُفّذت من 3 محاور: تشريعي وقضائي واقتصادي.
– الهجمة الأولى جاءت من رئيس مجلس الأمّة مرزوق الغانم الذي عقد مؤتمراً صحافياً “لأنّ السكين وصلت العظم”، أعلن فيه بوضوح عن خلافه العميق مع رئيس الوزراء الشيخ أحمد النواف، معتبراً أنّ وجوده في منصبه يشكّل “خطراً على الكويت”.
وسأله عن اعترافه بالديمقراطية أو باستقلالية القضاء، خاصة بعدما انتشر كالنار في الهشيم نبأ استدعاء رئيس الحكومة لرئيس المجلس الأعلى للقضاء المستشار محمد بن ناجي وإبلاغه بضرورة الاستقالة “بناء على أوامر عليا”، على خلفيّة الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية التي يرأسها بن ناجي نفسه.
وفي حدث لا يتكرّر كثيراً في الكويت، كشف الغانم عن أنّه، بصفته رئيساً للسلطة التشريعية، طلب لقاء مع الأمير الشيخ نواف الأحمد، إلا أنّه لم يُمكَّن من ذلك، وقيل له إنّ المنع سببه رئيس الوزراء (كونه ابن الأمير).
وفي ما بدا أكبر تجلّيات انفجار الأزمة، ناشد الغانم الأمير ووليّ العهد التدخّل الفوري لإيقاف ما وصفه بـ”العبث” الذي يمارسه رئيس الوزراء.
– الهجمة الثانية جاءت من المجلس الأعلى للقضاء الذي عقد اجتماعاً طارئاً خلص فيه إلى رفض استقالة بن ناجي (التي قدّمها أو كان ينوي تقديمها)، مندّداً بتدخّل السلطة التنفيذية في عمله. وهو بذلك أسبغ الطابع الرسمي على خبر “استدعاء” رئيس المجلس الأعلى للقضاء والضغط عليه لتقديم استقالته.
– الهجمة الثالثة جاءت من رئيس غرفة التجارة والصناعة محمد جاسم الصقر الذي وصل إلى حدّ وصف الوضع في الكويت بأنّه الأخطر في تاريخها، بعد “كارثة الغزو” العراقي في مطلع التسعينيات.
وقال بكلام عالي السقف: “باستثناء كارثة الغزو، أعتقد أنّ خيبة الأمل التي تعيشها الكويت حالياً هي الأشدّ مرارة، والأعمق غوراً، والأكثر قهراً”.
وتحدّث عن “الأجواء المحلية التي تكاد تخنقها “نفّاثات” التجرّؤ على القانون تحت لافتة “الأوامر العليا”، و”نفّاثات” الاجتراء على السلطات الثلاث تحت شعار “حرّية الرأي”، وتفريغ مقاعد القيادات الإدارية من دون أسباب واضحة تحت مسمّى “الإصلاح””، محذّراً من أنّه في خضمّ التحوّلات الإقليمية والدولية التي تعيد رسم حدود الدول وتوزيع المصالح وتشكيل التحالفات، “لا يبقى لمن فاتهم القطار إلا التحسُّر في محطات الانتظار”.
ضعف الحكومة و”الأوامر العليا”
المُشترك في الهجمات الثلاث أنّها صوّبت صراحة أو تلميحاً على “الأوامر العليا” و”ضعف الحكومة” و”الخطر الشديد”، لكنّ اللافت أنّ بعضها تجاوز الخطوط الحمر تماماً، عبر الحديث عن “احتماء” رئيس الوزراء بـ”وضعه الاجتماعي” (في إشارة إلى أنّه ابن الأمير)، والتصويب عليه على المستوى الشخصي لجهة التشكيك في أهليّته وقدرته أصلاً على تولّي منصبه.
تأخذ مجموعة وازنة من النواب على رئيس الوزراء أنّه لم ينسجم مع “مجلس 2022” (وهو ما أدّى إلى استقالة حكومته مطلع العام الحالي)، ولا يرغب بالتعامل مع “مجلس 2020” أو القسم أمامه (باعتباره غير شرعي شعبياً)، ويرون في ذلك مشكلة لدى السلطة التنفيذية نفسها وليس بينها وبين السلطة التشريعية.
هكذا بدا المشهد الكويتي في حالة حبس أنفاس وسط ترقّب لمآلات الأمور: فالحكومة الجديدة لم تُشكّل بعد وغير محسوم إمكان تشكُّلها قبل عيد الفطر أو بعده، علماً أنّ رئيسها أحمد النواف مُكلّف بتشكيلها منذ 5 آذار الماضي، ومجلس الأمّة لن ينعقد حتى الشهر المقبل، والحكومة أصلاً لا تتواصل معه، ومن غير الواضح هل تعترف به في ظلّ ما يتردّد عن أنّ رئيسها يريد أن يقسم أمام الأمير بعد تشكيل حكومته، ثمّ يرفع إليه مرسوم حلّ مجلس الأمّة من دون أن يُقسم أمام المجلس.
إقرأ أيضاً: الكويت: حكومة النوّاف الرابعة والخيارات المفتوحة؟
خيارات مفتوحة
لعلّ المؤشّر الأبرز إلى أحد “الخيارات المفتوحة” الواردة، سيظهر في الأيام القليلة المقبلة مع الكلمة التي يُتوقّع أن يلقيها وليّ العهد الشيخ مشعل الأحمد نيابة عن الأمير، لمناسبة العشر الأواخر من رمضان، الأسبوع المقبل.
لطالما اتّسمت هذه الكلمة، سنوياً، بأهميّة شديدة نظراً لما تتضمّنه من مواقف وتوجيهات من القيادة السياسية، فهل يعلن فيها وليّ العهد “الإجراءات الأخرى الثقيلة الوقع” التي هدّد بها في خطابه الشهير في حزيران 2022 إذا عادت الأزمة السياسية، أم يعطي فرصة أخيرة ونهائية قبل ذلك؟