رئاستا الجمهوريّة والحكومة.. قصّة آخر الرؤساء

مدة القراءة 4 د

كتب النائب والوزير السابق إدمون رزق أحد صنّاع اتفاق الطائف معلّقاً على مقالة نشرت لي مؤخراً: “لا حاجة للتعداد، الرئيس ليس رقماً، بل هو اسم علم، وعبث التفتيش عن بدلاء من سقط المتاع. آخر رئيس للجمهورية كان الياس سركيس، وبعد اغتيال بشير تعاقب النزلاء على قصر بعبدا… وتمادى الشغور في الرئاسة.. فهل من رئيس؟!… يقسم اليمين ولا يحنث، يتحمّل المسؤولية ولا يهرب. يحافظ على القيم ولا يفرّط بها، يؤدّي الواجب ويبرّئ الذمّة ثمّ يسلّم الأمانة بشرف ونبل”.

آخر الرؤساء
أصاب الكبير إدمون رزق بتعليقه، لا بل إنّ ما يراه في رئاسة الجمهورية ينسحب على رئاسة الحكومة وكلّ المواقع الرسمية في الحكم، سواء كبر هذا الموقع أو صغر.
الأزمة في رئاسة الجمهورية اليوم، وفي رئاسة الحكومة غداً، ليست أزمة أسماء بعينها أو شخصيات بميولها السياسية، بقدر ما هي أزمة رجال دولة قادرين على اتخاذ القرار، مصمّمين على العمل على تنفيذه، ملتزمين الانتظام تحت القوانين المرعية، فهم لا يعتدون على صلاحيات غيرهم، ولا يسمحون لأحد بالاعتداء على صلاحياتهم. يمتلكون الحكمة من دون قيود والنزاهة من دون حدود، والصلابة من دون صدام، والصبر من دون ضعف. هكذا كان إلياس سركيس، وقبله بشارة الخوري، ورياض الصلح، وصائب سلام، وبعده رفيق الحريري.

الأزمة في رئاسة الجمهورية اليوم، وفي رئاسة الحكومة غداً، ليست أزمة أسماء بعينها أو شخصيات بميولها السياسية، بقدر ما هي أزمة رجال دولة قادرين على اتخاذ القرار

لبنان في رئاستَي الجمهورية والحكومة بحاجة إلى رجالات من هذه الخامة التي دخلت السلطة بزعامتها، وخرجت بمناقبيّتها، واستنزفت أرصدتها المالية من دون الاعتداء على أرصدة خزينة الدولة. خرجت من بيئتها وشعبيّتها لحكم البلاد، وعادت إلى شعبيّتها تاركة البلاد بخيراتها وأحلامها وطموحاتها.

فقدان رجل الدولة
في احتفال “أكاديمية بشير الجميّل” في الذكرى الرابعة لانطلاقتها قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إنّ “الرئيس بشير الجميّل كان بمثابة نور للّبنانيين، إذ إنّه بثّ الأمل في النفوس لحظة انتخابه، وتحلّق حوله الشعب من كلّ أطيافه. إلا أنّ هذا النور أزعج بعض المتضرّرين من قيام الدولة، فحاولوا إطفاءه”.
وأضاف: “بشير الجميّل كان رجل دولة، وهذه صفة نفتقدها اليوم في لبنان”.
لبنان اليوم ليس بحاجة إلى رئيس جمهورية أو رئيس حكومة يتلبّس شخصية الموظّف الرسمي، ولا إلى رئيس يعاني عقد التاريخ وفوبيا المستقبل فينقل عاهاته وأمراضه النفسية إلى قصر بعبدا أو السراي الحكومي. وليس بحاجة إلى رئيس ينشد السلطة بعقد عمل يفنّد الشروط والضمانات التي تتعلّق بترك المنصب الوظيفي الذي فيه وشغله منصباً وظيفياً آخر وكأنّه ينطلق من شركة إلى أخرى.
لبنان ليس بحاجة الى رئيس بمواصفات مسكّن الآلام، يخفّف وجع اللحظة من دون أن يقضي على الداء والعلّة، بل هو بحاجة في قصر بعبدا والسراي الحكومي إلى رئيس يتجرّد من رتابة الوظيفة ومكتسباتها وضماناتها، ويتسلّح بروح العزيمة والمبادرة وصلابة القرار.
لبنان في الرئاستين الأولى والثالثة بحاجة إلى رجال دولة يشيرون إلى الكتاب (الدستور) كما كان يفعل فؤاد شهاب عند كلّ أزمة، ويجترحون المبادرات ويحشدون العالم في المؤتمرات لخلق فرصة للإنقاذ كما كان يفعل رفيق الحريري. هم بحاجة إلى رجال دولة بصفات الأولياء الصالحين للخروج بهديهم من جهنّم التي وصلنا إليها عسى أن يرتوي اللبنانيون من نهر الكوثر ومياهه العذبة الشافية من كلّ داء.

إقرأ أيضاً: حان وقت البحث عن المرشّح الثالث

صدق إدمون رزق في أنّ القضية ليست قضية تعداد للأسماء ولا عملية بحث في كومة من سقط المتاع، بل القضية هي قضية أمانة وواجب يزيّنهما النبل وحنكة الرجال.
لبنان بحاجة إلى رئيس جمهورية ورئيس حكومة من طينة الأجداد وليس أيّ شخص من “عاديّة” الرجال.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: ziaditani23@

مواضيع ذات صلة

عزّ الشرق أوّله دمشق..

ساحة الامويين علم الثورة عليها انكسرت عصا سليمان التي يتّكئ عليها، فظهر أنّه ميتٌ من زمان. سقط نظام بشار الأسد، وبسقوطه اكتمل سقوط المحور الإيراني….

إنّا من العرب… وإنّا إليهم راجعون

لجرحنا الغائر في سوريا صوتٌ كصرير الأسنان، وهو جرح قديم ورهيب ومستدام، يسبق الفجيعة بشطب رفيق الحريري ويعقبها. حتى بات ربيع بيروت ينتظر أوان الورد…

كيف ستتلقّف المعارضة نقمة العلويّين على الأسد؟

أخيراً، غادرنا صاحب الضحكة البلهاء، والقرارات الخرقاء والخطابات الجوفاء والأفكار الهوجاء، التي حوّلت قلب العروبة النابض إلى صحراء… انسحب بعدما جعل سوريا، الدولة المحوريّة، بحراً…

اللّحظة السّوريّة”: ما المطلوب خلال ساعات؟

فيما بدت عواصم العالم حذرة في مقاربة الحدث السوري الكبير، سحب بنيامين نتنياهو كرسيّاً، جلس إلى طاولة التسوية السورية، فارضاً إسرائيل شريكاً حاضراً في مستقبل…