الكهرباء “قنبلة موقوتة” تفجّر ما تبقى من الاحتياطي؟ (2)

2021-02-16

الكهرباء “قنبلة موقوتة” تفجّر ما تبقى من الاحتياطي؟ (2)

أكثر من جبهة مفتوحة بين مصرف لبنان والحكومة، لكنّ أكثرها خطورة، تلك المتعلقة بقطاع الكهرباء، أي بمعادلة: “عتَمة أو لا عتَمة”. وهي جزء من ملفٍ أكبر مرتبط بترشيد الدعم الذي تعجز الحكومة عن بتّه منذ ستة أشهر… وربما لأنها لا تريد ذلك أصلًا، لأنّها تراهن على أن “تبجّ” قنبلة رفع الدعم  بوجه الحكومة الجديدة. ينطبق نموذج المراسلات “الطائرة” بين الطرفين في ملف التدقيق الجنائي، بدوره على ملف الكهرباء.

بعد أكثر من ثلاثة أشهر من التفاوض بين وزارة الطاقة و”كهرباء لبنان”، وبين المصرف المركزي، لتأمين حاجات القطاع المقدّرة بـ300 مليون دولار من الدعم والدولارات الطازجة، وصلت الأمور إلى لا اتفاق. اجتماعات وبيانات وكُتُب تتطاير فوق الرؤوس، من دون أن تؤدّي حتّى الآن إلى تفادي كارثة محتمَلة. والأهمّ “ترحيل” مشكلة قد تنفجر في أيّ وقت، إذا لم يتأمّن الدعم المطلوب للشركات المشغّلة لقطاع الكهرباء ولعقود الصيانة.

آخر الكلام، وبعد انتهاء عقد تشغيل معملَيْ دير عمار والزهراني يوم الاثنين،  اتفاق “جنتلمان” مع الشركة الأميركية “برايم ساوث” بالاستمرار بعملها، مع “وعد” بدفع مستحقّاتها المتراكمة عن العام 2020 وقيمتها 40 مليون دولار، فيما قيمة العقد سنويًّا تبلغ 60 مليون دولار لمدة خمس سنوات. وهي واحدة من الفواتير المكسورة على مصرف لبنان، لصالح كهرباء لبنان والشركات المتعاقدة معها ومقدّمي الخدمات.

البيان الصادر عن مصرف لبنان يوم السبت، كشف عمليًّا عن سياسة بات ينتهجها مصرف لبنان، “بوحي” من سياسة المجلس المركزي، الذي يبدو كأنّه يفرض مسارها على من يترأس المجلس، أي رياض سلامة نفسه.

بعد أكثر من ثلاثة أشهر من التفاوض بين وزارة الطاقة و”كهرباء لبنان”، وبين المصرف المركزي، لتأمين حاجات القطاع المقدّرة بـ300 مليون دولار من الدعم والدولارات الطازجة، وصلت الأمور إلى لا اتفاق

بتأكيد مطّلعين لـ”أساس”: “نعم لدى المجلس المركزي هويّة مستقلّة. والعهد الماضي “راح”. ولا استعداد لدينا للبقاء في موقعنا إذا كنّا خيال صحراء. اليوم كلّ دولار يُصرف بات تحت الرصد. وكيف إذا كان نفاد الاحتياط يهدّد كيان الدولة برمتها”. 

هذه السياسة، وفق مصادر مطّلعة، تقوم على أمرين أساسيين: الشفافية في كشف ما يجب على الرأي العام أن يعرفه، خصوصًا في ملفات حيوية كالكهرباء التي تشكل 40 مليار دولار من قيمة الدين العام. ووضع خطّ فاصل مع ممارسات المرحلة السابقة، مع سعي لعدم الاصطدام مع رياض سلامة. 

وبسبب ذلك يمكن توقّع المزيد من البيانات الصادرة عن مصرف لبنان، هي في الحقيقة مراسلات لم تسلك يومًا دربها إلى الإعلام.

وفي بيان السبت، كرّر مصرف لبنان ما سبق أن طلبه من وزارة المال ومن “طالبي دولاراته”: “ضرورة اعتماد خطّة فورية لترشيد الدعم، مع تحديد الأولويات ومصادر تمويلها، الأمر الذي يدخل في صلب مهامّ الحكومة”. كما حمّل البيان الحكومة مسؤولية “تحديد الإجراءات التي ستتخذها  لتأمين العملات الأجنبية اللازمة للمصاريف والمستوردات الأساسية”.

وتضمّن الكتاب المرسل إلى وزارة المال “اقتراح مصرف لبنان على  وزير المال، بالتعاون مع  وزير الطاقة والمدير العام لشركة الكهرباء، وضع دراسة شاملة على كل العقود الموقّعة من قِبل “الشركة” (المقصود بها وفق البيان مؤسسة كهرباء لبنان)  تشرح فيها طريقة اختيار الشركات المتعاقِدة، والتأكد من عدم وجود وسائل بديلة لتخفيض التكاليف. وأن تكون هناك موافقة خطيّة على كل الفواتير المعروضة للدفع من شركة كهرباء لبنان، والوزارات المعنية كافة، والمستوردين المعتمدين، من قِبل مركزية واحدة تقرّرها الحكومة. على أن تحدّد الأخيرة الأولويات، وتؤكّد مع المركزية على احترام آلية الدفع المتفق عليها مع مصرف لبنان، وتحمّل مسؤولية كلفة الدعم بالعملات الأجنبية وأيّ هدر أو سوء استعمال ينتج عنها”.

في الشكل تبدو طلبات مصرف لبنان تعجيزية وغير منطقية، في ظل حكومة عاقر تنتظر ساعة الرحيل، وتحرص على أن تلقي كرة نار ترشيد الدعم أو رفعه  في أحضان الحكومة المقبلة.

في هذا السياق تجيب مصادر معنية: “في كل ما يحصل، هناك أمر خطير ومصيري. ثمّة احتياطي موجود في مصرف لبنان، إذا لم يتمّ استخدامه بشكل صحيح فسنصل إلى المحظور وربما إلى مرحلة “الوصاية” علينا. والمبلغ الموجود اليوم إذا أحسنّا إدارته، سيسمح لنا بتحريك العجلة الاقتصادية والحفاظ على أموال المودعين، وسدّ حاجات الناس عبر ترشيد الدعم”.

لكنّ هذا الأمر، وفق المصادر، “لا يتمّ من دون حكومة فعّالة، وفي ظل عدم وجودها، يجب على حكومة تصريف الأعمال أن ترشّد الدعم فورًا، لأنّ “مسرحية” تقاذُف الخطط بين مجلس النواب وبين الحكومة لا تنفع.  الآن نحن نستطيع بالاحتياطي الموجود أن نعيد أموال المودعين، لكن إذا “كفّينا هيك” لن يبقى احتياطي لإعادتها. وربما لن يكون هناك قدرة على تأمين القمح للبنانيين”!

في الشكل تبدو طلبات مصرف لبنان تعجيزية وغير منطقية، في ظل حكومة عاقر تنتظر ساعة الرحيل، وتحرص على أن تلقي كرة نار ترشيد الدعم أو رفعه في أحضان الحكومة المقبلة

ويبدو أنّ ما حصل بين مصرف لبنان ووزارة الطاقة في الأيام الماضية، يعكس صراع “عقليات” وسياسات قد لا ينتهي على خير، فيما وزير الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان يتّهمان سلامة “بالتحايل والتهرّب من مسؤولياته، والابتزاز وإغراق اللبنانيين بالعتمة، ودفع الأمور نحو الأسوأ، بالتخلّف عن واجباته بتأمين الدولارات لإنقاذ القطاع”.

ويكشف مطلعون جزءًا من خفايا الاجتماعات التي حصلت مؤخرًا بين المصرف من جهة، وبين وزير الطاقة والمدير العام لكهرباء لبنان من جهة أخرى، بالقول: “لم يتوانَ وزير الطاقة عن التهديد بشكل صريح، بأنّ يوم الاثنين 15 شباط إذا لم يدفع مصرف لبنان 40 مليون دولار عن سنة 2020 وإذا لم يتعهّد بدفع 60 مليون دولار عن 2021، سيُقفل  معمَلا دير عمار والزهراني، و”ورح نطفّي المكنات” وسنقول صراحة إنّ مصرف لبنان لم يدفع”.

إقرأ أيضاً: مَنْ يعرقل التدقيق الجنائي؟ (1)

أما ردّ المجلس المركزي فكان الآتي: “لماذا لم تقم مؤسسة كهرباء طوال السنوات الماضية بتدريب مهندسين على الصيانة؟ وبأيّ منطق ندفع صيانة بكلفة 300 مليون دولار بالسنة، والتي تساوي تأمين 500 ميغاوات؟ ولماذا لم يتمّ حتى الآن الالتزام بعقود جديدة أقل كلفة؟”. ويؤكد هؤلاء أنّ “استمرار مصرف لبنان في دفع عقود الفيول أويل والكهرباء، وفق الآليات السابقة غير ممكن، لأنّه سيعني الانهيار التام”.

ويطرح مصرف لبنان خريطة طريق تقوم على “عقود جديدة شفافة، وخطة مركزية من قبل الحكومة، تشمل الوزارات المعنية كافة لترشيد الدعم”.

وتقول مصادر مصرف لبنان: “لم يعد ممكنًا استقبال كلّ وزير على حدة ليفرض شروطه ومطالبه، من دون خطة واضحة قائمة على التقشف والشفافية، والأهمّ خطة لاستقطاب الدولار من الخارج، وجداول واضحة بالاحتياجات لعام 2021. ليس منطقيًّا أن يقرّر مصرف لبنان أيّ ماكينة بجب تشغيلها  بالزهراني أو دير عمار!”.

مواضيع ذات صلة

الرّئاسة بين “ديل” برّي و”تهريبة” باسيل

يُقال إنّه في خضمّ المعارك لا يتمّ تبديل الضبّاط المشرفين على العمليات. فهل يمكن انتخاب رئيس، بين جولة قتالية وأخرى، على وقع الصواريخ والقذائف؟ على…

الرّئاسة من خرم الحرب: صفر نتيجة

لا تزال لغة الميدان تطغى على أيّ مسعى خارجي أو داخلي للجم كرة نار الحرب الكبرى، وأجّجتها أكثر تصفية الحسابات الإيرانية-الإسرائيلية التي باتت جزءاً أساسيّاً…

1701+… ولجنة رباعيّة لمراقبة التّطبيق

حتى الآن لا صوت يعلو فوق صوت المدفع، أو بالأحرى صوت طائرات F35 والصواريخ البالستية، وبقيّة الأسلحة التدميرية التي لا توفّرها إسرائيل في عدوانها الوحشي…

تباين بين برّي والحزب على “اليوم التّالي”؟

لم تَعُد الحرب البريّة مجرّد توقّع. وَقَع المحظور واكتملت عناصر “الانفجار الكبير” بإعلان العدوّ الإسرائيلي تنفيذه “عملية بريّة محدودة وموضعية ومحدّدة الهدف” ضمن مسار عسكري…