طرابلس بحماية أمنية: الأجندة السياسية “تحت الرصد”

2021-01-28

طرابلس بحماية أمنية: الأجندة السياسية “تحت الرصد”

صبيحة 28 كانون الثاني لم يكن يوماً عادياً في طرابلس. المدينة شبه منطقة عسكرية فرضتها أعمال الشغب على مدى ثلاث ليال، وتحسّباً أيضاً من تكرار “ليلة المواجهة الكبرى” التي توّجت بمحاولات متكرّرة لاقتحام السراي وقصر عدل طرابلس ومحاولة “السيطرة” على ساحة النور ليل الأربعاء.

ومنذ صباح أمس اتخذت احتياطات أمنية تحسباً من ردّات الفعل بعد تشييع الشاب عمر طيبة الذي توفي متأثراً بجراحه بعد إصابته بطلق ناري أثناء المواجهات ليل الأربعاء، وعلى خلفية دعوات للتظاهر والتحرّك أمام منازل عدد من السياسيين، تخلّلها قطع طرقات وإحراق دواليب. 

لكن “عسكرة” المدينة وتسييج السراي بالأسلاك الشائكة لم يمنع من تجدّد المواجهات أمس بين المحتجين والقوى الأمنية في محاولة متكرّرة لاقتحام السراي.

وتجلّى المشهد الاستثنائي  في الساعات الفاصلة عن تعزيز الإجراءات الأمنية في المدينة، فسجّل معطيان أساسيان في سياق المواجهات بين المحتجين والقوى الأمنية والجيش:

– الأوّل: هو استخدام المتظاهرين ليل الأربعاء، وللمرة الأولى منذ اندلاع ثورة 17 تشرين، قنابل يدوية حربية أثناء محاولات اقتحام السراي. ووفق المصادر الأمنية ألقيت ثلاث قنابل على المدخل الخلفي للسراي الذي كان بحماية مكتب شعبة المعلومات في طرابلس: اثنتان انفجرتا وأدّتا إلى وقوع إصابات في صفوف ضباط وعناصر “الشعبة”، والثالثة لم تنفجر.  

تزامن هذا المشهد مع وصول تعزيزات أمنية من “القوة الضاربة” في شعبة المعلومات من بيروت، فنفّذت طوقاً أمنياً على مداخل السراي كلّها، في ضوء قرار حاسم من قيادة قوى الأمن الداخلي بالتصدي للاعتداءات الصريحة على الممتلكات العامة والخاصة وعلى القوى الأمنية: “للدفاع عن مراكزنا بكافة الوسائل المشروعة”. وترجم هذا القرار ليل الخميس أيضاً، بإجراءات منعت تخطي المتظاهرين الخطوط الحمر.

ومع ذلك سجّل مجدداً سقوط عدد من القنابل اليدوية داخل حرم سراي طرابلس، وإحراق مبنى البلدية في طرابلس.

– الثاني: توافر معطيات كافية على طاولة الأجهزة، من جيش وقوى أمن داخلي، بأنّ سوء الوضع المعيشي والاجتماعي والذي لامس الخط الأحمر بخطورته وتعاني منه الأغلبية الساحقة من اللبنانيين بمن فيهم “العسكر”، شكّل نافذة للاستغلال السياسي من جانب جهات باتت معروفة وتمّ رصد تنسيقها مع المجموعات على الأرض على مدى الأيام الماضية وتجلّى بحالة العنف المُفرط من جانب المحتجّين. وهي بدأت بمحاولات جسّ نبض وكرّ وفرّ بين المتظاهرين وقوى مكافحة الشغب والجيش بعيداً من الأعلام في البداية، ثم وجّهت دعوات، عبر أكثر من وسيلة، إلى الإعلام للتواجد في طرابلس في الأيام الثلاثة الماضية “ومعاينة ما سيحصل”.

“عسكرة” المدينة وتسييج السراي بالأسلاك الشائكة لم يمنع من تجدّد المواجهات أمس بين المحتجين والقوى الأمنية في محاولة متكرّرة لاقتحام السراي

ورغم وضوح الصورة لدى الأجهزة الأمنية حول خلفيات هذه التحرّكات التي تجاوزت الحق المشروع  بـ”الدفاع عن لقمة العيش” لتشكّل استهدافاً مباشراً للممتلكات واستخدام قنابل يدوية حربية، فإن غياب التنسيق بين هذه الأجهزة كان السِمة الأبرز في تطورات الساعات الماضية.

وقد توقفت جهات في تيار المستقبل عند “تأخّر الجيش في التدخل والحسم الى اللحظة الأخيرة حيث كانت الساحة متروكة لقوى مكافحة الشغب”.

ولاحقاً انتقد بيان تيار المستقبل “أداء أطراف في أجهزة أمنية سواء في غض النظر عن ممارسات مخلّة بالأمن والقانون أو في التخلّف عن دعم القوى الأمنية في الوقت المناسب”، معتبراً أنّه “وجه من وجوه التقصير الذي يثير الشكوك ويطرح الكثير من علامات الاستفهام حول الأهداف المبيتة لعمليات التخريب”.

لكن وفق المعطيات، كانت القوى الامنية والعسكرية على اختلافها تتهيّب الانجرار إلى الفخّ القاتل وتعاطت مع الأرض بكثير من الحذر “كي لا تحترق” في ظل واقع بالغ الحساسية: فالوضع المعيشي والاجتماعي سيّء جداً وخَطر. وما يعاني منه اللبنانيون كان السلك العسكري الضحية الأولى له، وليس سهلاً أن يوضع العسكر في بوز مدفع المواجهة مع من يتشارك معه في المطالب نفسها.

لكن ثمّة واقع أكبر من ذلك يتجلى بمحاولات جهات سياسية جرّ الداخل الى الفوضى والاستثمار فيها. وتقول مصادر مطلعة في هذا السياق إنّ “التحرّكات ليست محدودة في منطقة واحدة. وهذه المرة بدلاً من أن يكون الثقل في بيروت تركّز في طرابلس مع “تفشٍ” واضح لبقع الاحتجاجات، وإن بوتيرة أخفّ، في البقاع وصيدا وبيروت والاوتوستراد الساحلي، مع محاولات متكرّرة لقطع الطرقات واستفزاز القوى الأمنية بوجود أكثر من “مايسترو” يدير هذه التحرّكات. واليوم لدى الأجهزة الأمنية لوائح بأسماء معروفة الانتماء السياسي والبعض جرى توقيفه والتحقيق معه”.

ربما أفظع ما يكتنزه هذا المشهد هو فضح عجز السلطة السياسية التي تتلهّى بـ”معاييرها” لتأليف الحكومة وتقيم “المهرجانات” للقاح تأخر كثيراً، وحين يصل سيوزّع على شعب كَفَر أصلاً بالكمامة ونزل إلى الشارع كاسراً قرار الإقفال العام والحجر. سلطة تبدو بأدائها “مُنفصمة” بالكامل عن الواقع، وحين تكون السلطة في حالة كوما يسهل جداً أن تفرض “الدكاكين” السياسية أمرتها على الأرض.

وفيما لا تزال الأجهزة الأمنية تتتبّع “مشغّلي” بعض المجموعات على الأرض دارت معركة من نوع آخر بين بعبدا وبيت الوسط. فوجّهت مصادر رئيس الجمهورية اتهامات صريحة لرئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري “بتحريك الشارع”، منطلقة من واقع أن “الجغرافيا تدينه حيث أن معظم هذه التحرّكات تحصل في المناطق الواقعة تحت سيطرة تيار المستقبل”.

وقد كان لافتاً في هذا السياق إشارة مقدمة تلفزيون “OTV” التابعة للعهد إلى أنّ “اللبنانيين يطالبون رئيس الحكومة المكلف ليس تحريك الشارع بما يعرّض المجتمع والمحتجين والقوى الأمنية للخطر، بل بتحريك عجلة الالتزام بالميثاق والدستور”.

لكن ثمّة واقع أكبر من ذلك يتجلى بمحاولات جهات سياسية جرّ الداخل الى الفوضى والاستثمار فيها. وتقول مصادر مطلعة في هذا السياق إنّ التحرّكات ليست محدودة في منطقة واحدة. وهذه المرة بدلاً من أن يكون الثقل في بيروت تركّز في طرابلس مع “تفشٍ” واضح لبقع الاحتجاجات

وأتى موقف جبران باسيل أمس في السياق نفسه بالإشارة الى أن محرّك الشارع “معروف الانتماء والتمويل، وأصابع بعض المنسّقين ومسؤولي بعض الأجهزة السابقين والحاليين واضحة فيه”، معتبراً أنّ “تحريكه لن يحمي منظومتكم السياسية والمالية ولن يحيّد أنظارنا عن فسادها وسنبقى نلاحقكم كلّكم حتى تعيدوا ما سطت عليه أيديكم”.

أما لجهة الحريري فقد شكّلت تغريداته الأخيرة منصّة دفاع عن النفس بوجه من يتّهمه بتأليب الشارع ضد رئاسة الجمهورية وحكومة تصريف الأعمال، ليرمي لاحقا تيار المستقبل الكرة في ملعب الجيش متهماً إياه بالتفرّج واتخاذ موقع الطرف.

إقرأ أيضاً: الأمن… آخر غطاء لـ “ظهر الدولة” المكشوف!

وتقول أوساط الحريري: “ليس لدينا أدنى شك بأنّ هناك جهات تحرّك الشارع وتموّل بعض المجموعات. وعلى الرغم من أحقية المطالب، إلا أنّها تستغل مكمن الضعف لدى الناس لتنفيذ أجندة مشبوهة”، نافية “أن يكون تيار المستقبل يقف خلف هذه الاحتجاجات ومن يسمع ما كان يقال في الشارع  ويرى المتظاهرين أمام منازل نواب المستقبل يتأكّد من ذلك”.

ووفق المعلومات، تتصدّر المجموعات التابعة لـ “المنتديات” بقيادة نبيل الحلبي، وأخرى تابعة للواء أشرف ريفي، ولحزب سبعة، صدارة المتهمين بالعبث بالشارع.

ويبدو أنّ بهاء الحريري الذي أوقف دفع الدولار الكاش فضّل ترك الأرض والتفرّغ لـ”التمريك” على شقيقه سعد الحريري والدخول في سباق معه عبر تأمين أجهزة الأوكسجين للصليب الأحمر وبعض المساعدات العينية فيما “لقاحات سعد” الموعودة لم تجد بعد طريقها إلى بيروت.

 

مواضيع ذات صلة

الخماسية متفائلة: هل يُنتج رئيس بالوقت الضائع؟

يؤكّد أحد السفراء البارزين في اللجنة الخماسية أمام ضيوفه أنّه متفائل بإمكانية إحداث خرق كبير على صعيد الانتخابات الرئاسية في الأسابيع القليلة المقبلة، عبر إنجاز…

لبنان: لا حلول سياسيّة وتحذيرات أمميّة بتوسّع الحرب..

‏تقاطعت مؤشّرات عدّة في الأيام الأخيرة متّصلة بشكل مباشر بالجبهة اللبنانية. في بكين، كانت المصالحة الفلسطينية تتمّ، وهي الأولى من نوعها بعد 7 أكتوبر الماضي،…

هدنة في غزّة ولا هدنة في بيروت

نشر موقع “أكسيوس” كلاماً منسوباً إلى حماس في داخل غزة تتوجّه به إلى حماس الخارج قائلة إنّ وضعها الميداني على الأرض سيّئ جداً. بعد هذا…

مجلس الوزراء يعيّن مجدّداً اللواء عودة… باقتراح من وزير الدّفاع؟

يحرص النائب السابق وليد جنبلاط على “الصيانة الدورية” لتموضعه الأخير إلى جانب خطّ المقاومة مع “صديقه” الرئيس نبيه بري. في جلسة يوم الأحد غاص الطرفان…