قرار المحكمة الدولية هو الردّ الأبلغ على كلام قبلان

2020-05-28

قرار المحكمة الدولية هو الردّ الأبلغ على كلام قبلان

مدة القراءة 4 د.


لم يصدر عن المراجع السياسية والروحية للطائفة الشيعية ردود فعل رسمية على كلمة المفتي الجعفري الممتاز عبد الأمير قبلان في عيد الفطر، وحتّى الرئيس نبيه بري الذي يحرص على إبراز تمايزه عند بعض المفاصل عن “حزب الله”، فيعلن تمسكه بالدستور واتفاق الطائف والعروبة ولا ينجر إلى القتال في سوريا، التزم الصمت.

يضفي السكوت عن كلام المفتي الممتاز شرعية وأهمية عليه، ويعني أنّه جهر بمواقف مدروسة تتجاوز شخصه ويعكس معادلة واضحة ربما يحاول فرضها “الثنائي الشيعي”، مختصرها “السلاح مقابل الدستور”. بمعنى أنّه إذا أردتم أن يسلّم “حزب الله” سلاحه إلى الدولة، فيتوجب على هذه الدولة أن تكون صديقة شرعاً للحزب الحامل هذا السلاح، وليس صداقة مؤقتة وناتجة من موازين القوى والخشية من سطوة هذا السلاح والمقايضة بين السكوت عن هذا السلاح وبين الحصول على مواقع ومكاسب في الدولة كما هو الوضع مع “التيار العوني” حالياً؟  

إقرأ أيضاً: أنطوان مسرّة عن كلمة قبلان لـ”أساس”: جهل كامل لمفهوم الميثاق

بكلام آخر يحقّ للحزب، لقاء السلاح، أن يحصل على دستور يؤكّد صداقة الدولة له، بقضائها ومصارفها ونظامها المالي والإداري والأمني والعسكري. يذكر بعض الذين تابعوا الحرب الأهلية بتفاصيلها موقفاً مشابهاً للشيخ بشير الجميّل عندما انتُخب رئيساً للجمهورية عندما دعا “القوات” إلى الاستعداد لتسليم سلاحهم إلى الدولة: “ما دمنا نحن قد أصبحنا نحن الدولة”.

الخطورة في هذا الطرح أنّه يمكن أن يلقى هوىً في دول تواظب على دعوة “حزب الله” إلى تسليم سلاحه إلى الدولة وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، وإذا تبيّن لها أنّ بعض التعديلات الدستورية يساعد هذا الحزب في اتخاذ قرار تطبيق هذه القرارات، فلن تمانع على الأرجح.

وإذا كان الثمن الذي يطلبه الحزب المسلّح لتسليم سلاحه هو “المثالثة” بدل “المناصفة” التي نصّ عليها اتفاق الطائف فمن سوف يقف في وجهه؟ خارجياً أو داخلياً؟ خصوصاً أنّه لن يأخذ من حصّة المسلمين السُنّة بل من حصة المسيحيين وهذا لـ”حسبة” ليست نهائية، وأنّ حالة المهادنة سوف تشمل مع لبنان سوريا والعراق واليمن ودول الخليج؟

دولة صديقة في شكل دستوري وقانوني لقاء تسليم “حزب الله” سلاحه إليها. هذه معادلة تستحقّ في سبيل تحقّقها أن تنتقل حاكمية المصرف المركزي من الموارنة إلى الشيعة، ومثلها قيادة الجيش أو مديرية المخابرات ورئاسة مجلس القضاء الأعلى وبعض المواقع – المفاتيح في الدولة تحت لافتة “طمأنة فريق من اللبنانيين”، وتحديداً غالبية الشيعة ممثّلة بـ”حزب الله”.

التطوّر الوحيد الكفيل بإحباط هذين التطلّع والرغبة هو إعلان الحكم النهائي للمحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهو صار جاهزاً منذ أسابيع لكنّه لا يزال معلقاً في انتظار ظروف أو أمر ما يصعب التكهّن به

يمكن القول إنّ المفتي الجعفري الممتاز، عبّر بشروطه وأحكامه “القَبَلانية”، عن رغبة عميقة لدى الممسكين بالقرار في بيئته في وضع أيديهم نهائياً على “الدولة العميقة”، وإنّ القوى السياسية أعجز كلها عن مواجهة هذه الرغبة. لا الاندفاعة السُنّيّة تفيد ولا يفيد كذلك الاعتراض المسيحي الخجول الذي صدر عن بعض الأصوات هنا وهناك. ثم إنّ المفتي قبلان هو الوحيد الذي يحكي “سياسة” تتطلّع إلى الأمام وفي مستوى وجودي كياني للبلد، فيما بقية المواقع الدينية غارقة في تفاصيل الأزمة المالية المعيشية وفي المطالبات بحصة أكبر للطائفة أو بالحفاظ على حصتها من فتات النظام.

التطوّر الوحيد الكفيل بإحباط هذين التطلّع والرغبة هو إعلان الحكم النهائي للمحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهو صار جاهزاً منذ أسابيع لكنّه لا يزال معلّقاً في انتظار ظروف أو أمر ما يصعب التكهن به.

وحده حكم المحكمة الدولية.

لأنّه سيعلن أنّ سلاح هذا الحزب استُخدم لتنفيذ جرائم سياسية في الداخل والسلاح المجرم، وبالتالي هو لا يُكافأ ولا يقايَض بدستور ولا تُقدّم إليه هدايا كي يحكم دولة عانى شعبها بسبب السلاح الكثير ولا يزال.    

إقرأ أيضاً

عراضة “الجماعة” في عكّار.. ومرحلة ما بعد حرب غزّة

بعد العراضة المسلّحة لـ”الجماعة الإسلاميّة” في منطقة عكار الشمالية، بدأت تظهر ملامح مرحلة ما بعد حرب غزّة في لبنان. تبدو الحاجة أكثر من أيّ وقت…

لا عزاء للمساكين

“لم أغسل دمي من خبز أعدائي  ولكن كُلّما مرّت خُطَايَ على طريقٍ فرّتِ الطرقُ البعيدةُ والقريبةُ   كلّما آخيت عاصمة رمتني بالحقيبةِ فالتجأتُ إلى رصيف الحلم…

“أخوة يوسف”* أمام معضلة خط الحرير العراقيّ

عاديّ أن يقلق البعض على هامش زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الأخيرة للعراق، أمام مشهد توقيع مذكّرة تفاهم رباعية للتنسيق والتعاون ذات طابع استراتيجي…

الجماعة الإسلامية إلى أين؟

عندما أنشئت الجماعة الإسلامية في ستينات القرن الماضي (وتمّ وقتها الترخيص للحزب الشيوعي وكان وزير الداخلية كمال جنبلاط)، كانت تهدف إلى المحبة والتسامح والعيش المشترك…